فخ النجاح في هذا العصر
كثيراً ما نسمع عناوين وعبارات براقة ولافتة عن الناجحين من رجال الأعمال وأثرياء هذا العصر.
لكن إذا بدأنا القراءة الحقيقية بعيداً عن تجارة الكتب فإننا نصل فعلاً إلى صورتين لا تطابق بينهما سوى النتائج.
الصورة الأولى أن الأشخاص أمثال (جيف بيزوس و مارك زوكربيرج و إيلون ماسك) يحتاج أحدهم مئات الأضعاف من متوسط عمر البشر الطبيعي كي يستطيع إنفاق أمواله التي جمعها.
وما يحز في النفس هنا فهو تعلق الكثيرين من شبابنا بهذه العناوين والتي هي بطبيعة الحال أحد منافذ البيع لدى هؤلاء الأثرياء من وسائل التواصل وبرامج خاصة بشركات كل منهم على حدى.
ليتمسك هذا الشباب بالوصفات التي يقدمها هؤلاء من خلال مؤتمراتهم ولقاءاتهم أو من اشتهروا على هذه المنصات من العامة الثرية إذا صح القول متلقفاً كل ما يصدر عن هؤلاء على أنه الوصفة الواحدة والوحيدة في سبيل الثراء خاصة المستعجل منه.
ولأن الأمر مربح على كافة الأصعدة يستمر المحاضر بضخ وصفته مستزيداً لثرائه من متابعة هؤلاء الحالمين ويستمر الكثير من الفقراء معرفياً ومادياً في فقرهم وتعلقهم بالسراب الذي يسمعونه خاصة في ظل الحكومات العربية المتخلفة عن هذا الركب الاقتصادي العالمي.
وهنا يأتي الأمر الأخطر مكللاً عمل الجميع بالنجاح ليتخذ الشباب من هؤلاء المحاضرين نماذج يتبعونها في كل شيء وربما يصل الأمر إلى تقليدهم في اللباس والتصرفات والكلام متناسين أو رافضين كل العظماء من ديننا الحنيف والطريق السوي الذي سلكوه كي يخلد التاريخ أسمائهم على جدار العظمة راغماً.
والذين كانوا بلا منازع أصحاب نهضة عالمية على كافة الأصعدة ليست التجارة إلا جزء يسير منها ورجال حقيقيين وقامات شاهقة في عالم التأثير وقدوة دون منازع لكل من يبتغي النجاح بتوازن الإنسان الفطري الذي خلقه الله عزوجل لعمارة الارض.
أما عن الصورة الأخرى من هذا التصور وأخطر المراحل في المقارنة هي ما يترتب على هؤلاء الشباب المستمعين عندما يقارن بما فعله أصحاب القدوة الحقيقية بما يفعله أثرياء اليوم مستسيغاً طرق النصب والاحتيال بشكل عام والربا على أقل تقدير مقابل قفزة يراها جاهلاً بماهيتها أنها النجاح الكبير.
وهنا يكمن الفخ الذي يسوق له كل المحاضرين من أبراجهم العاجية في شركاتهم الكبيرة العابرة للقارات أو صفحاتهم على منصات التواصل.
أما عن المعادلة التي توقع بالجميع في شراكها فهي الميزان الذي يقول أن الثراء بالمطلق يعني النجاح بالمطلق وهذا أمر قد أفرزته كل الحضارات واتفقت عليه إلا الحضارة الإسلامية التي ألزمته معياراً مختلفاً وأقرب للإنسان من كيانه المادي متسامية به إلى أرقى مرحلة يمكن العيش فيها.
وقد تنازل الصحابة طوعاً في كثير من الأحيان عن جزء كبير من ثرواتهم وفي بعض الأحيان عن كل ثرواتهم ليكون النجاح حليفهم.
فهل أخطأ هؤلاء الصحابة جميعاً رضوان الله عليهم في قرارهم أم أخطأ جيل كامل هنا في القراءة الصحيحة للمفاهيم التي تحدد معيار النجاح.
سنذكر لكم في سلسلة قادمة مقالات بسيطة عن رجال أعمال وتجار وأثرياء من الصحابة والتابعين والمسلمين المعاصرين وكيف وفقوا بين الثراء بالمطلق والنجاح الحقيقي دون رفض لفكرة حب المال الفطرية لدى أي إنسان.