
بيع العينة والتورق والتكييف الفقهي
أولاً: تعريف التورق
الورق في اللغة (بكسر الراء والإسكان) هي الدراهم من الفضة، والتورق طلب الورق أي الدراهم.
اصطلاحًا عرفه مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي:
بأنه "شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل، ثم يبيع المشتري بنقد لغير البائع للحصول على النقد – الورق".
يُعرف التورق: هو أن يشتري سلعة نسيئة (مؤجل)، ثم يبيعها نقدا بثمن أقل، ليحصل على النقد، فإن باعها إلى البائع نفسه فهي العينة الممنوعة، وإن باعها إلى غيره أي طرف ثالث فهو التورق. ولم ترد التسمية بهذا المصطلح إلا عند فقهاء الحنابلة، أما غيرهم فقد تكلموا عنها في مسائل (بيع العينة).
ثانيًا: الفرق بين بيع العينة والتورق:
كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: العينة لغة السلف، واصطلاحاً: أن يبيع سلعة نسيئة، ثم يشتريها البائع نفسه بثمن حال أقل منه. ولا صلة بين التورق وبين العينة إلا في تحصيل النقد الحال فيهما، وفيما وراءه متباينان؛ لأن العينة لا بد فيها من رجوع السلعة إلى البائع الأول بخلاف التورق، فإنه ليس فيه رجوع العين إلى البائع، إنما هو تصرف المشتري فيما ملكه كيف شاء.
ثالثا: التكييف الفقهي
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز شراء الرجل سلعة بالأجل وبيعها إلى غير بائعها نقدا وغرضه الحصول على النقود. سواء من سماه تورقا وهم الحنابلة، أو من لم يسمه بهذا الاسم وهم من عدا الحنابلة. ولقوله صلى الله عليه وسلم - لعامله على خيبر: بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا. ولأنه لم يظهر فيه قصد الربا ولا صورته. واختار تحريمه ابن تيمية، وابن القيم؛ لأنه بيع المضطر، والمذهب عند الحنابلة إباحته. (الموسوعة الفقهية الكويتية).
وإشارة الفتاوى المعاصرة إلى بجواز التورق، منها قرار (قرار مجلس الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورة مؤتمره الخامسة عشر بتاريخ 31/10/1998م ـ رجب 1419هـ).
واستدلوا على القول بالجواز. قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} البقرة الآية ( 275 ).
إذ يدل ذلك على إباحة كل بيع إلا ما دل دليل معتبر على حرمته ولا دليل هنا على حرمة التورق، وأن الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا ما دل الدليل على حرمته. فهو كالبيع إذا توافرت فيه أركانه وشروطه وخلا من المفسدات كالغرر والجهالة والربا ونحو ذلك.
رابعًا: انواع التورق:
الأول: التورق الحقيقي: وهو أن يشتري شخص سلعة من البنك بثمن مؤجل ثم يبيعها على جهة أخرى نقداً، ليحصل بذلك على حاجته من النقود. وحكمه جائز.
الثاني: التورق المنظم: وتتم هذه المعاملة بشراء شخص سلعة من إحدى المصارف الإسلامية بالأجل، ومن ثم يوكله ببيعها قبل أن يقبضها، وأحيانا يكلف المصرف بائع السلعة ببيعها لصالح العميل والثمن بعد قبضه يسلمه للعميل مباشرة. والأغلب أن التورق المنظم يجري في السلع المحلية كالحديد والأرز والسيارات وغيرها. وحكمه محرم.
خصائص التورق الفقهي:
- يتضمن التورق الفقهي ثلاثة أطراف وهي: طالب التورق أو المشتري الأول للسلعة، وبائع السلعة الأول، والمشتري الثاني للسلعة، وهو بذلك يختلف عن البيع المطلق الذي يتضمن طرفين، كما يختلف عن بيع العينة، الذي يتضمن طرفين فقط، وهما البائع والمشتري.
- الغاية من التورق الفردي هي: حصول المستورق على النقود (السيولة) لا المتاجرة بالسلعة، والتورق بذلك يختلف عن بيع العينة، لان الغاية منه هي: حصول الزيادة لصاحب العينة بالبيع الذي يتضمن القرض.
- في التورق الفقهي البائع الأول لا توجد له أية علاقة ببيع السلعة، فلا يعيد شراءها لنفسه، كما في بيع العينة، ولا يكون وكيلا عن المستورق في بيع السلعة.
- في التورق الفقهي تكون السلعة في حوزة البائع الأول وملكه، ويقوم المستورق بشرائها منه.
- في التورق الفقهي يكون المشتري الثاني للسلعة غير البائع الأول، وهو بذلك يختلف عن بيع العينة الذي يكون المشتري الثاني فيه هو البائع الأول للسلعة.
- في التورق الفقهي يتم قبض المستورق للسلعة التي اشتراها، وتدخل في ضمانه وبذلك يكون البيع مستقرا.
- في التورق الفقهي يوجد فصل كامل بين التصرفات التعاقدية، حيث يقوم المستورق بشراء السلعة بعقد بيع آجل، مستوفي الأركان والشروط، ثم تنتهي هذه العملية لتبدأ عملية أخرى منفصلة عنها تماما، وهي إعادة بيع المستورق للسلعة للحصول على النقود. فلا يكون العقد المستقل ذريعة إلى عقد آخر مستقل عنه.
وهو بذلك يختلف عن بيع العينة الذي يتضمن عقدين مرتبطين مع بعضهما، فلا يبيع السلعة بالآجل إلا إذا تعهد المشتري انه سوف يبيعها له، أو لوكيله بالنقد بسعر أقل، فيحصل التواطؤ على ذلك، وتتحقق الحيلة على الربا.
خامسًا:
أ. شروط التورق التي تجريها المصارف الإسلامية:
- تملك السلعة وضمانها أولا من قبل البنك قبل بيعها للعميل.
- أن يقوم العميل بشراء السلعة من البنك شراء حقيقا، بحيث تدخل في ملكه وضمانه.
- أن يقوم العميل ببيع السلعة لعميل آخر أو يوكل من يبيعها له، وأما أذا لم يكن هناك بيع حقيقي ـ كما هو الشائع في كثير من البنوك ـ فانه تحايل على الربا وبالتالي، لا يحل الدخول في هذا العقد.
ب. آلية عمل التورق التي تجريها المصارف الإسلامية:
- يقوم البنك بشراء كمية من السلع وتملكها.
- يقوم البنك بعرض السلعة للعملاء لشرائها.
- يتقدم العميل للبنك بطلب لشراء وحدات معينة من السلع.
- توقيع عقد بيع بالتقسيط بين البنك والعميل (بيع على الوصف).
- تملك العميل للوحدات بموجب مستندات.
- توكيل العميل للبنك لبيع السلعة نقدا وإيداع المبلغ بحسابه.
- سداد العميل للأقساط المستحقة.
- والله تعالى أعلم